ضمن فعاليات اليوم الثاني للجمعية العامة لاتحاد إذاعات الدول العربية انتظم يوم 16 يناير / جانفي 2025 في المدينة المتوسطية ياسمين الحمامات بتونس حوار مهني تناول موضوع "الحرب على الحقيقة : أي دور للإعلام في مواجهة التزييف والتضليل؟ " بمشاركة خبراء من لبنان وتونس وفلسطين وتركيا وإسبانيا وبريطانيا
وأدار الحوار في هذه الندوة د. حسان فلحة المدير العام لوزارة الإعلام اللبنانية والخبير في مجال الاعلام السمعي البصري الذي قال في مداخلته الافتتاحية للندوة إن التضليل الاعلامي يهدف الى دفع الانسان لاتخاذ قرارات خاطئة أو الإقدام على أفعال مبنية على أساس الخطأ، موضحا أننا نعيش في عالم يخضع لإعلام بلا قواعد وتواصل بلا ضوابط عندما يتيسّر استخدام محتوي الميديا بلا اكتراث للمحتوى مع تبدّل سلم القيم والاخلاقيات
وأضاف أن التضليل الاعلامي هو جرم يقوم على تزوير الحقائق والوقائع ويعتمد اساليب التورية و يتّكل على عمليات الايحاء الذهني المغلوط، وأن مواجهة التضليل الاعلامي و أدواته تستدعي تآزرا وتعاونا من هيئات المجتمع كافة وفي مقدمها الاعلام والعاملون في هذا المجال .
وفي مداخلته قال الجامعي والخبير الدولي في الإعلام والاتصال من تونس وليد الحيوني إن الانتشار المتزايد لشبكات التواصل الاجتماعي والكميات الضخمة من البيانات التي يتم إنتاجها وتداولها يوميًا قد أدى إلى زعزعة علاقة الجمهور بوسائل الإعلام، وبيّن أن تورط العديد من وسائل الإعلام في نشر أخبار زائفة ومضللة جعل الحاجة إلى تغيير السياسات التحريرية أمرا ضروريا.
وأشار إلى أهمية أن تعتمد وسائل الإعلام العربية على خطوات عملية لمواجهة هذه التحديات، داعيا إلى إنشاء فرق مختصة تتكون من خبراء ومثقفين يهتمون بالتدقيق في المعلومات قبل نشرها، لضمان مصداقية المحتوى الإعلامي.
كما شدد على ضرورة دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار، نظرًا لقدراته المتقدمة في تدقيق المعلومات والتحقق من المصادر وتحليل البيانات والنصوص، والتأكد من صحة الصور والفيديوهات المنتشرة على المنصات الرقمية.
وقدّم مدير تحرير موقع "مسبار" الأستاذ أحمد بعلوشة من فلسطين مداخلة أشار فيها إلى أهمية تناول مسألة التزييف والفبركة في الإعلام، خاصةً في ظل الأحداث الأخيرة التي شهدتها غزة.
وأوضح أن هذه القضية كانت محور نقاش رئيسي حيث تم التطرق إلى تغطية الإعلام الغربي للأحداث التي بدأت في السابع من أكتوبر، وتحديدًا بعد الثامن من أكتوبر، مؤكدا وجود تراجع من بعض القنوات والجهات الإعلامية عن الروايات التي نشرتها سابقًا، لكنه تساءل عمّا إذا كان هذا التراجع كافيًا لإيصال الحقيقة للجمهور الذي تعرّض للتضليل بشكل أو بآخر.
كما أوضح أن الإجابة عن هذه التساؤلات تستدعي وقتا وجهدا كبيرين، مشددًا على أن استمرار الحوارات واللقاءات والتواصل بين الجهات والمنظمات والصحفيين هو أمر بالغ الأهمية لضمان مواجهة التضليل الإعلامي وتحقيق الشفافية في المستقبل، خاصة في التعامل مع الأزمات والأحداث القادمة.
وفي مداخلته تناول نائب منسق الأخبار من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية Huseyin Erdogan موضوع مواجهة الإعلام التقليدي للتزييف والتضليل الإعلامي في عصر "ما بعد الحقيقة"، حيث ميّز بين المعلومات المضللة التي تُنشر دون قصد والتضليل الإعلامي الذي يُنشر عمدًا بهدف الخداع، مؤكدا على دور الإعلام التقليدي كمرجعية موثوقة، مستعرضًا استراتيجيات مثل التحقق من الحقائق، الرقابة التحريرية، والصحافة الاستقصائية.
كما ناقش استخدام إسرائيل للتضليل الإعلامي لتبرير هجماتها، ودور TRT Haber في كشف الحقائق وتصحيح المعلومات المضللة. واختتم مداخلته بالتأكيد على أهمية التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي، في تعزيز جهود مكافحة التضليل والحفاظ على مصداقية الإعلام.
وتحدّث Borja Díaz-Merry Dr. من فريق التحقق التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية (RTVE) في مداخلته عن جهود الفريق في مكافحة التضليل الإعلامي من خلال كشف الأخبار الكاذبة والمحتوى المُزيف مثل الفيديوهات العميقة (Deepfakes) . وأوضح أن هذا الفريق يعتمد على أدوات التحقق التقليدية والحديثة، بما في ذلك الاستخبارات المفتوحة المصدر (OSINT)، ويعمل على مراقبة منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، بالإضافة إلى التحقق من المحتوى المُقدم من الجمهور (UGC) وتدريب الصحفيين. وأكد أن التحقق هو أساس العمل الصحفي، خاصة في عصر يتّسم بانتشار المعلومات المضللة، مشيرًا إلى أن الفريق يستلهم نماذج عمل مثل BBC Verify وBellingcat لضمان دقة المعلومات ونشر الحقائق.
واستعرضت Judy Parnall الخبيرة الدولية من هيئة الإذاعة البريطانية BBC في مداخلتها الأدوات التقنية لمكافحة التضليل الإعلامي في عصر يزداد فيه انتشار المحتوى المُزيف بواسطة الذكاء الاصطناعي. حيث ركّزت على ثلاث استراتيجيات رئيسية: الكشف عن المحتوى المُزيف باستخدام التحليل البصري والتعلم الآلي، التعاون بين المؤسسات الإعلامية والتكنولوجية لتحسين سرعة الاستجابة، وتتبع المصدر لضمان أصالة المحتوى عبر البيانات الوصفية والبصمات الرقمية. كما أشارت إلى التحديات التي تواجه أدوات الكشف بسبب التطور السريع للذكاء الاصطناعي، ودعت إلى تعزيز التعاون بين الجهات الفاعلة لتوفير معلومات موثوقة للجمهور.