تعيش الرياضة السعودية مرحلة تحول من المحلية إلى العالمية لتواكب رؤية 2030 في تعزيز المكانة الدولية للمملكة، ولم يتوقف التحول عند رعاية صندوق الاستثمارات العامة للأندية الأربعة الكبار في كرة القدم واستقطاب أفضل اللاعبين المحترفين ونجوم العالم لدوري "روشن"، بل امتد لاستضافة البطولات والفعاليات الرياضية الكبرى منها رالي داكار وبطولات التنس والملاكمة، وكذلك سباقات فورمولا في جدة والرياض، إضافة إلى بطولات السوبر الإيطالي والأسباني والأفريقي وكأس العالم للأندية في كرة القدم وكرة اليد، حتى اتسع نطاق الحلم ليشمل استضافة نهائيات كأس العالم 2034.
ويناقش المنتدى السعودي للإعلام ضمن فعالياته في جلسة بعنوان "الرياضة السعودية.. التحولات الكبرى من المحلية إلى العالمية" العلاقة التكافلية بين الرياضة والإعلام والقوة الناعمة والتي يشارك فيها معالي نائب وزير الرياضة الأستاذ بدر بن عبد الرحمن القاضي، ورئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية جياني ميرلو، وكذلك رئيس تحرير صحيفة ماركا الإسبانية خوسيه فليكس، ويحاورهم اللاعب السابق والإعلامي الحالي خالد الشنيف.
وحددت إدارة المنتدى السعودي للإعلام محاور عدة للمشاركين في الجلسة من بينها دور التغطية الإعلامية الرياضية في تشكيل الهوية الوطنية والتصورات الدولية، واستخدام الأحداث الرياضية الكبرى كمنصات عرض الرؤى والإنجازات الوطنية، وكذلك الدور الذي تضطلع به الصحافة الرياضية في تعزيز الحوار العالمي والتفاهم الثقافي، مع الإجابة عن تساؤل كيف يمكن للدول الاستفادة من الأحداث الرياضية الكبرى لتعزيز قوتها الناعمة؟
الرياضة تخطت مفهوم الأنشطة والألعاب لتحتل مكانة رائدة في السياسة العالمية وعلاقات الدول والشعوب، وحازت صدارة المجالات في القوة الناعمة ومناهضة للقوة العسكرية، إذ تنطلق من مفاهيم التنمية والسلام والتعاون وتنبذ الحروب والصراعات والتمييز، والتحول السعودي الرياضي نحو العالمية حمل معه صورة براقة عن قيم وعادات المجتمع انعكست في مظاهر مواقف كثيرة منها تصريحات البرتغالي كريستيانو رونالدو لاعب النصر السعودي عن القيم السمحة للصيام والعمل والتدريب خلال شهر رمضان، وكذلك تهنئته للسعوديين والمسلمين بالمناسبات الدينية، حيث يتابعه على وسائل التواصل الاجتماعي نحو 600 مليون ويشاهدون منشوراته ورسائله.
ورأينا صوراً عدة للاعبين المحترفين في دوري "روشن" وهم يرتدون الزي السعودي في اليوم الوطني الـ 93 ما تعكسه من مشاعر المودة والوئام والاحترام المتبادل مع المجتمع، وفي الوقت نفسه تمحو الصورة النمطية السيئة التي كرسها الإعلام الغربي وخفافيش الظلام عن الإنسان العربي.
إن ما تدفع له الدول مليارات الدولارات لدرء حملات التشويه والدفاع عن سمعتها وتبييض صورتها يمكن أن تفعله الرياضة بأقل كلفة وأقصر مدة، لاسيما وأن غالبية جمهورها من الشباب وهم الأكثر تأثيراً في المجتمعات، وما تنفقه السعودية في المجال الرياضي يدحض مخطط الإساءة الذي طاول العرب على مدى سنوات بفضل الجماعات والتنظيمات المدفوعة دولياً أو أيدولوجياً.
وفي العقدين الأخيرين استحدث مفهوم الدبلوماسية الرياضية في العلاقات الدولية ليكون معنياً بمخاطبة الشعوب لاسيما الشباب انطلاقاً من المبادئ التي تحملها وتعززها الرياضة بكافة أنواعها، حتى أن وزارة الخارجية الأميركية بها قسم يعنى بالدبلوماسية الرياضية ويضم برامج متعددة منها ما هو مخصص للمبعوثين الرياضيين للخارج وكذلك برنامج الزيارات الذي يستضيف الرياضيين والمدربين والإداريين في الولايات المتحدة.
القوة الناعمة تحمل في باطنها الرياضة والفنون والثقافة والأنشطة السياحية، وبخلاف الجهود السياسية والاقتصادية رفيعة المستوى، فإن السعودية ببطولاتها ورياضاتها وأنشطتها وفعالياتها استطاعت أن تكون فاعلة في منظومة القوى الناعمة العالمية والدبلوماسية الرياضية، فأصبح العالم يشاهد أهازيج الجماهير السعودية والتنمية، وعايش الرياضيون الزوار من دول وقارات العالم أفراداً سعوديين وتعاملوا معهم ومع غيرهم في مجتمع متناغم ومتماسك من دون فوارق دينية، أو اجتماعية، أو عرقية، أو سياسية على رغم تعدد الجنسيات فيه.
لا شك أن جولة رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية وعدد من الصحافيين في الرياض والنقاشات والمداولات مع الرأي والرأي المقابل خلال المشاركة في المنتدى السعودي للإعلام، من شأنها تكريس عقيدة القناعة بالتنمية السعودية ونقل صورة الانفتاح لدى الصحافة العالمية، وكذلك اليقين بالجاهزية البشرية والبنيوية في الرياضة بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، فضلاً عن المواكبة للتطور التقني العالمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي بدت معالمها على جميع القطاعات بما فيها الرياضة، وهو ما يأتي في قمة هرم الدبلوماسية الرياضية.