"البرامج التلفزيونية ورهانات تطوير المحتوى وتوظيف التكنولوجيا" موضوع الندوة البرامجية لاتحاد إذاعات الدول العربية

في إطار أشغال الاجتماع 23 للجنة الدائمة للبرامج التلفزيونية باتحاد إذاعات الدول العربية  انتظمت يوم الأربعاء 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2025 بمقر الاتحاد، الندوة البرامجية السنوية وبحثت موضوع "البرامج التلفزيونية ورهانات تطوير المحتوى وتوظيف التكنولوجيا"، بمشاركة ممثلي الهيئات التلفزيونية الأعضاء  وأكاديميين وخبراء في الإعلام الرقمي ومهنيين من ممثلي عدد من وسائل الإعلام العربية . 

وهدفت الندوة إلى مناقشة تحولات المشهد التلفزيوني العربي في العصر الرقمي، واستشراف آفاق توظيف التكنولوجيا الحديثة في تطوير المحتوى وتعزيز تجربة المشاهد.

 

 

تحولات المحتوى والمشاهدة التلفزيونية في العصر الرقمي

قدّمت الدكتورة شهيرة بن عبد الله، أستاذة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس، محاضرة تناولت تحولات المحتوى والمشاهدة التلفزيونية في العصر الرقمي. وأوضحت أن التلفزيون التقليدي يواجه منافسة قوية من منصات البث الرقمي (OTT)، ما يفرض إعادة النظر في طرق الإنتاج وأساليب تقديم المحتوى. 

وأكدت أن التلفزيون العربي بحاجة إلى نماذج إنتاج جديدة موجهة للمنصات الرقمية تجمع بين العمق التحريري والتفاعل السمعي البصري، مع الحفاظ على هوية القنوات الوطنية.

ودعت إلى دراسة سلوك الجمهور الشاب الذي يستهلك المحتوى عبر الهاتف والمنصات الاجتماعية، والعمل على إنتاج برامج قادرة على استعادته عبر لغة بصرية متجددة وقصص قريبة من اهتماماته، مشيرة إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل المنافسة إلى فرصة للإبداع، وإعادة تموقع التلفزيون كفاعل رئيسي في المشهد الإعلامي الجديد.

 

 

توظيف التكنولوجيا لتعزيز تجربة المشاهد 

من جانبها، قدّمت الأستاذة راضية الشرعبي، أستاذة الصحافة الاستقصائية بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار بتونس، محاضرة بعنوان "توظيف التكنولوجيا لتعزيز تجربة المشاهد: من التلقي إلى التفاعل"، تحدثت فيها عن الدور المتنامي للذكاء الاصطناعي بوصفه "المخرج الخفي" الذي يدير مراحل الإنتاج التلفزيوني من تحليل البيانات إلى التوصية بالمحتوى والتنبؤ بنسب المشاهدة.

واستعرضت الشرعبي أمثلة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التحليل الآلي للمشاعر والرأي العام، وإدارة الحملات الإعلانية الذكية، وتحليل الاتجاهات الرقمية، إضافة إلى الاستفادة من أدوات مثل CrowdTangle وGoogle Analytics وIBM Watson لفهم سلوك المشاهدين.

كما تطرقت إلى البث التفاعلي ودور وسائل التواصل الاجتماعي كمنصة ثانية لمشاركة الجمهور في صناعة المحتوى، إلى جانب تجارب الواقع الافتراضي والمعزز (VR/AR) في البرامج التعليمية والوثائقية والترفيهية. 

واختتمت مداخلتها بالتأكيد على ضرورة أن تتبنى المؤسسات الإعلامية استراتيجية تحول رقمي شاملة تقوم على الابتكار، وتكوين الكفاءات، واحترام القيم الأخلاقية والمهنية في استخدام الذكاء الاصطناعي.

 

نماذج من تجارب الهيئات في تحديث المضامين وتوظيف التكنولوجيا

وتابع المشاركون في الندوة مداخلات حول تجارب عدد من الهيئات التلفزيونية العربية الأعضاء في الاتحاد في مجال تطوير المحتوى وتوظيف التكنولوجيا.

 تجربة التلفزيون العراقي

وقدّم مديرمديريّة قناة العراقية بشبكة الإعلام العراقي نوفل عبد دهش عبد الله،  مداخلة وشريط فيديو استعرض من خلالهما تجربة القناة في إدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن منظومتها الإنتاجية. وأوضح أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا من العمل اليومي في برامج القناة مثل "صباح العراقية"، حيث يسهم في صياغة الأفكار الأولية للحلقات، وإنتاج الصور والرسوم الافتراضية لمشاهد نادرة أو صعبة التصوير، مثل الجفاف في الأهوار أو العواصف الترابية، إضافة إلى إعادة بناء المواقع الأثرية وإنشاء شخصيات كرتونية تعليمية ورسوم طبية وعلمية.

كما لفت إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج فيديوهات قصيرة توضيحية، ودعم البرامج التعليمية والترفيهية، ورصد آراء الجمهور على المنصات الاجتماعية، والإنتاج التلقائي للتقارير، وكشف الأخبار الزائفة، وإنشاء روبوتات محادثة، ما يعكس مدى قدرة التكنولوجيا على تعزيز تجربة المشاهد ورفع جودة المحتوى التلفزيوني.

 

 

تجربة التلفزيون التونسي

و قدّم رئيس التحرير ومدير المحتوى الرقمي في التلفزة التونسية حمادي الغيداوي، مداخلة ركّزت على تجربة المؤسسة في تحديث المحتوى وتوظيف التكنولوجيا الحديثة في الإنتاج والبث، فيها أن التلفزة التونسية خاضت مسارًا متكاملاً للتحول الرقمي شمل تطوير المحتوى، وتعزيز الحضور على المنصات الاجتماعية، وتبني أدوات الذكاء الاصطناعي في مختلف مراحل العمل الإعلامي. وقد نجحت القناة في مضاعفة حضورها الرقمي لتتجاوز سبعة ملايين متابع ومشترك عبر صفحاتها الرسمية على فيسبوك ويوتيوب، من خلال إعادة توظيف المحتوى التلفزيوني في صيغ رقمية قصيرة وجاذبة، وإنتاج مواد خاصة بالمنصات الاجتماعية.

كما تم تطوير منصة Replay لمتابعة البرامج بعد بثها، مع دمج خوارزميات توصية المحتوى وأنظمة تحليل بيانات الجمهور لتكييف البرمجة حسب الفئات الأكثر تفاعلاً.

وفي الجانب الإنتاجي، استعانت القناة بالذكاء الاصطناعي في المونتاج والتحليل الرياضي الآلي، واستخدمت المؤثرات البصرية وتقنيات الواقع المعزز (AR) في البرامج الإخبارية والترفيهية لإثراء التجربة البصرية. 

كما تم تكوين فرق إنتاج رقمية متخصصة تجمع بين خبرة الصحفيين والمهارات التقنية الحديثة لضمان تكامل العمل التلفزيوني مع متطلبات المنصات الرقمية.

 

تجربة التلفزيون القطري

كما قدّم رئيس قسم التخطيط في تلفزيون قطرعبد الله اللنجاوي، مداخلة استعرض فيها جهود القناة في تطوير البرامج التلفزيونية وتعزيز المحتوى باستخدام التكنولوجيا الحديثة، مع التركيز على لغة الجيل الجديد والحفاظ على الهوية الوطنية.

وأوضح أن القناة تبنّت رؤية شاملة تمزج بين الأصالة والحداثة، من خلال إنتاج برامج بإيقاع سريع ولغة بصرية حديثة تتماشى مع اهتمامات الشباب، واستخدام الواقع المعزز والافتراضي، وتقنيات البث المتعدد المنصات، وأدوات التحليل الرقمي لفهم الجمهور وتخطيط البرامج المستقبلية.

كما أكد تمكين الكفاءات الوطنية عبر تدريب الكوادر الشابة، وتطوير محتوى رقمي وحواري قصير للمنصات الاجتماعية، لضمان تجربة مشاهدة مبتكرة وتفاعلية، مشيرا إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تعزيز حضور القناة على المنصات الرقمية والبودكاست، واستخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل توجهات الجمهور، وتطوير شراكات إنتاجية عربية ودولية، مع الاستمرار في تقديم برامج تلهم الشباب وتدعم رؤية قطر الوطنية 2030.

 

في زمن الذكاء الاصطناعي لن ينجح الا التلفزيون الذكي

 اختُتمت الندوة بنقاش موسّع بين المتدخلين وممثلي القنوات العربية المشاركة، تم خلاله التأكيد على أن رهان التلفزيون العربي في المرحلة القادمة هو الاستثمار في التكنولوجيا دون التفريط في الهوية، عبر شراكات بين الهيئات الإعلامية والجامعات ومطوّري الحلول التقنية.

واتفق المشاركون على أن التحول الرقمي لا يُقاس فقط بتبنّي الأدوات، بل بمدى تجديد الرؤية التحريرية وإعادة تعريف العلاقة مع الجمهور الذي أصبح جزءاً فاعلاً في العملية الإعلامية.

كما أكّدوا أنّ مستقبل التلفزيون العربي لا يقوم على منافسة المنصات، بل على التكامل معها، عبر محتوى مبتكر وتفاعلي يعيد للمشاهد مكانته في صميم التجربة التلفزيونية، ففي زمن الذكاء الاصطناعي، لن ينجح إلا التلفزيون الذكي: تلفزيون يفكّر بالمحتوى، يتحدث بلغة التكنولوجيا، ويخاطب جمهوره بشراكة حقيقية.