"الذكاء الاصطناعـي في الإنتـاج الإذاعي" موضوع الورشة الإذاعية السنوية بمشاركة إذاعات عربية وخبراء دوليين

 ضمن أشغال الاجتماع 35 للجنة الدائمة للإذاعة باتحاد إذاعات الدول العربية انتظمت يوم الاثنين 22 سبتمبر 2025 بمقر الاتحاد الورشة الاذاعية السنوية وتناولت موضوع «الذكاء الاصطناعي في الإنتاج الإذاعي» ، بمشاركة عدد من الهيئات الإذاعية العربية والخبيرين الدوليين في مجال الذكاء الاصطناعي أحمد الشيخ من مصر ووجدي الزغواني من تونس، كما شهدت الورشة حضور عدد هام من ممثلي وسائل الاعلام المحلية والعربية .

 

 
 
الزعبي : التحدي الأكبر ضعف المحتوى العربي على الإنترنت
ونيابة عن المدير العام لاتحاد إذاعات الدول العربية، افتتح الورشة المهندس باسل الزعبي مدير إدارة التكنولوجيا والتطوير بالاتحاد، مؤكداً في كلمته أن الذكاء الاصطناعي لم يعد خياراً بل أصبح جزءاً أساسياً من حياتنا اليومية ومن عمل المؤسسات الإعلامية. وأوضح أن التحدي الأكبر يكمن في ضعف المحتوى العربي على الإنترنت الذي لا يتجاوز 1% رغم أن عدد الناطقين بالعربية يمثل نحو 5% من سكان العالم، مما ينعكس سلباً على كفاءة نماذج الذكاء الاصطناعي في خدمة منطقتنا.
وشدد الزعبي على ضرورة الاستثمار في تدريب وتطوير نماذج ذكاء اصطناعي تعكس الثقافة العربية وتستند إلى أرشيفنا الإعلامي والوثائقي، إلى جانب وضع ضوابط وإرشادات واضحة لاستخدامها بما يحفظ حقوق الصحفيين والإعلاميين. كما دعا إلى إقامة شراكات استراتيجية عربية في هذا المجال لضمان أن تكون مخرجات التقنية أكثر ارتباطاً بواقعنا وهويتنا الثقافية.
 
 
 
وتعرّف المشاركون في الورشة على تجارب عدد من الهيئات الإذاعية العربية في مجال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي حيث تناول الكلمة ممثلو أذاعات السودان وقطر والكويت 
 
تجارب الهيئات: الإذاعة السودانية
سلّط  المهندس إبراهيم محمد عثمان ابراهيم مدير الإدارة العامة لتقانة المعلومات والأرشيف الرقمي ونائب المدير التنفيذي للإذاعة السودانية، الضوء على ماقامت به الاذاعة السودانية من خطوات هامة في استيعاب وإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي صلب منظومة العمل الإذاعي بكافة مراحلها مشيرا الى التحديات الخاصة التي تواجه المؤسسات الإذاعية في المنطقة. 
وأكد أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد ترف تقني، بل وسيلة لتجاوز قيود الموارد البشرية والمالية، ولبناء محتوى أكثر قربًا من اهتمامات الجمهور المحلي. 
كما لفت إلى أن التبني الناجح لهذه التقنيات يتطلب تعاونًا إقليميًا وتبادلًا للتجارب بين الإذاعات العربية.
 
 
 
تجارب الهيئات: إذاعة قطر
عرضت إذاعة قطر تجربتها في إدماج الذكاء الاصطناعي ضمن العملية الإذاعية اليومية، حيث أفاد مراقب البرنامج العام بإذاعة قطر جابر السرور في مداخلته بأن المذيع أصبح يمتلك شريكًا ذكيًا يساعده في مرحلة التحضير قبل البث. 
فالذكاء الاصطناعي يقترح الأفكار والمواضيع ويضع صياغة أولية للنصوص، ليعيد المذيع ترتيبها وتطويرها بما يناسب شخصية البرنامج وذوق المستمع. 
وأوضح أن الذكاء الاصطناعي لا يلغي دور المذيع، بل يجعله أسرع وأكثر إنتاجية، ويساعده على تجاوز ضغط الوقت وكثرة المهام. 
وأضاف أنه حتى في الجانب الموسيقي، وظّفت إذاعة قطر تقنيات ذكية قادرة على تحليل الفقرات واقتراح ألحان وفواصل موسيقية، لكنها حرصت على أن تبقى اللمسة الإنسانية حاضرة في الإبداع والتلحين. 
بذلك، أصبح الذكاء الاصطناعي أداة تطوير تسهم في صناعة تجربة سمعية متكاملة، دون أن تحل محل خبرة المبدعين.
 
 
 
تجارب الهيئات: إذاعة الكويت
قدّمت إذاعة الكويت عرضا محوريا حول آفاق استخدام الذكاء الاصطناعي في العمل الإذاعي، إذْ  أبرز د. يوسف السريّع مدير إدارة البرنامج الثاني والمحطات المحلية بإذاعة الكويت أن الأمر لم يعد خيارًا تقنيًا بقدر ما أصبح ضرورة استراتيجية لضمان استمرارية المؤسسات الإعلامية ومواكبتها للتطورات العالمية. 
وبيّن أهمية الانتقال من مرحلة التجريب إلى بناء خطط متكاملة تضمن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحسين جودة الصوت والبث، ودعم فرق التحرير والإنتاج، وتطوير أدوات تحليل سلوك الجمهور، واعتماد عمليات آلية تسهّل الجدولة وتكثيف التفاعل مع المستمع.
وشدّد على أن التبني الفعّال للذكاء الاصطناعي يتطلب موازنة بين الجانب التقني والجانب الإبداعي، حتى يظل المحتوى الإذاعي نابضًا بالروح الإنسانية رغم التطور التكنولوجي.
 
 
 
منصة "أسبو" السحابية مثال عملي على كيفية تسخير الذكاء الاصطناعي لتطوير الإعلام العربي 
استعرض اتحاد إذاعات الدول العربية في مداخلة قدمها  المهندس عوض عيد رئيس قسم شبكات التبادل  عبر مختلف الوسائط بالاتحاد، تجربة توظيف الذكاء الاصطناعي في منصة “أسبو” السحابية (ASBU Cloud Platform – ACP)، وهي منصة تحريرية متكاملة لتبادل المحتوى الإعلامي بين الهيئات الأعضاء، تشمل البث المباشر وتبادل الملفات والمواد الإعلامية. 
وقد أوضح المهندس عوض عيد في عرضه أن هذه المنصة تمثل نقلة نوعية في العمل الإعلامي المشترك، بفضل ما توفره من أدوات ذكية تسهم في تعزيز كفاءة الإنتاج وتحسين إدارة المحتوى.
أبرز استخدامات الذكاء الاصطناعي في المنصة:
الفهرسة والتحليل الذكي للمحتوى مع إثرائه بالبيانات الوصفية تلقائيًا.
تفريغ المحتوى السمعي إلى نص مكتوب بدقة عالية ودعم لعدة لغات.
الترجمة التلقائية إلى اللغات المعتمدة في الاتحاد (العربية، الإنجليزية، الفرنسية).
تلخيص المحتوى الطويل بشكل آلي لتوفير الوقت وتسهيل الوصول إلى المعلومة.
حالات الاستخدام العملية:
1. الترجمة النصية: تمكين المستخدم من تحميل النصوص المترجمة والبحث داخلها بمختلف اللغات.
2. تحرير الصوت من خلال النص: إتاحة اختيار المقاطع الصوتية مباشرة عبر النص المكتوب بلغاته المختلفة، مما يختصر وقت التحرير ويزيد من دقة الانتقاء.
بهذا الشكل، أكّد الاتحاد أن منصة "أسبو" السحابية هي مثال عملي على كيفية تسخير الذكاء الاصطناعي لتطوير الإعلام العربي، وتحقيق التكامل بين التكنولوجيا الحديثة والاحتياجات التحريرية اليومية للمؤسسات الأعضاء.
 
 
 
مداخلة الخبيرالأستاذ أحمد الشيخ – مصر
قدّم الخبير في الإعلام الرقمي أحمد الشيخ، وهو مدير تنفيذي ومستشار إعلام رقمي في لندن، مداخلة ركز فيها على أبرز النماذج الدولية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الإعلام، موضحًا كيف أن المؤسسات الكبرى لم تكتفِ باستيراد أدوات جاهزة، بل طورت حلولًا خاصة بها تتناسب مع احتياجاتها التحريرية والإدارية. فقد عرض تجربة BBC التي أطلقت أدوات مثل At a glance summaries للتلخيص السريع وStyle Assist لدعم الصحفيين في الالتزام بدليل الأسلوب التحريري، وهو ما يعكس رؤية تخطيطية تجعل الذكاء الاصطناعي شريكًا للصحفي بدلًا من أن يكون بديلًا عنه. 
كما أشار إلى نموذج Sky News الذي وظّف الأتمتة في الترميز والترجمة، وتقنيات التعرف على الوجوه وتحليل البيانات، لتخفيف الأعباء عن الصحفيين في التغطيات الكبرى، مما يبرز كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزيد الكفاءة التشغيلية دون أن ينتقص من الدور الإبداعي للإنسان.
وأضاف الشيخ أن الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على السرعة والدقة، بل يمكن أن يصبح أداة لتعزيز القيم التحريرية كما في تجربة Financial Times، التي طورت أداة تنبه الصحفيين إذا تضمنت مقالاتهم اقتباسات غير متوازنة من الرجال على حساب النساء، في محاولة لضمان تنوع أكبر في المصادر. 
وأكد أن مستقبل الإنتاج الإعلامي، خصوصًا في المجال الإذاعي، يتجه نحو مزيج يجمع بين الكفاءة التقنية عبر التلخيص والتحليل الفوري، وبين الالتزام القيمي من خلال أدوات تراقب التوازن والعدالة في المحتوى. 
وبهذا تصبح المؤسسات الإعلامية الرائدة مختبرات عالمية ترسم ملامح المستقبل، حيث يعمل الصحفي مدعومًا بالآلة لإنتاج محتوى أسرع، أعمق، وأكثر شمولًا.
 
 
 
مداخلة الخبيرالدكتور وجدي الزغواني – تونس
تناول الأكاديمي والباحث في تقنيات الإعلام والاتصال، الدكتور وجدي الزغواني، وهو أستاذ متخصص في الذكاء الاصطناعي وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي في جامعة نورثويسترن في قطر، في مداخلته مسألة التمكين العملي للإذاعات العربية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أشار إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح جزءًا أساسيًا من التحولات الرقمية التي تعصف بالمشهد الإعلامي، إذْ يمكن أن يسهم في رفع كفاءة الإذاعات من خلال تسريع المهام الروتينية مثل النسخ والترجمة والتلخيص.
وأضاف الباحث وجدي الزغواني أهمية الذكاء الاصطناعي في إنتاج محتوى مبسط وابتكار صيغ جديدة كالنشرات التفاعلية والمحتوى الصوتي الذكي. 
غير أن اعتماد هذه التقنيات في المنطقة العربية يواجه تحديات بارزة مثل نقص التدريب، ضعف دعم اللغة العربية وتعقيدات لهجاتها، محدودية الأدوات الحالية، وانعدام الثقة في مصداقية المخرجات الآلية.
ولمواجهة هذه التحديات، يرى زغواني أن الحل يكمن في الاستثمار في التدريب الشامل، تطوير أنظمة تدعم العربية، وتبني أطر تنظيمية وقانونية واضحة تضمن الشفافية وحماية البيانات. 
ويؤكد أن الذكاء الاصطناعي ينبغي أن يُنظر إليه كأداة مساعدة تعزز الإبداع البشري ولا تحل محله، مشيرًا إلى ما أورده معهد رويترز من أن هذه التقنيات قد تكون وسيلة لإحياء الإذاعة عبر تخصيص المحتوى وضمان البث المستمر، مع بقاء العنصر البشري الضامن للجودة والمصداقية.